دعائم إعجاز القرآن (٢) |
|
البلاغة : جمال العرض وسمو المعنى
قد وقفت ، في التعريف الفنّي للبلاغة على أنّها عبارة عن خروج الكلام مطابقاً لمقتضى الحال . فلو كان المقام مقتضياً للتأكيد أو الإطلاق ، وذكر المسند والمسند إليه أو حذفهما ، والإيجاز أو الإطناب ، وغير ذلك ، جاء الكلام مطابقاً له . وقد أسهب علماء المعاني في تبيين مقتضيات الأحوال ، على وجه لم يدعوا لقائلٍ مقالاً .
وقد اهتمّ بعض من كتب في الإعجاز ، بأمر البلاغة أزيد من غيرها . حتى أنّ الخطابي قال : « وذهب الأكثرون من علماء النظر إلى أنّ وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة ، ولكن صعب عليهم تفصيلها » (١) .
غير أنّا ركّزنا على أنّ البلاغة بهذا المعنى ، ترجع إلى عرض المقصود بشكل مطلوب ، ومفيد في تحقق غرض المتكلم ، ولكنه لا يكفي في توصيف الكلام بالبلاغة ما لم يضم إليه قيد آخر ، وهو كون المعنى سامياً ورفيعاً ، وقابلاً للذكر والإفادة ، وإلّا فالمعاني المبتذلة ، وإن أُلبست أجمل الحُلي ، وعرضت بشكل يقتضيه الداعي إلى التكلم ، لا توصف بالبلاغة ، وعلى فرض صحة التوصيف ، لا يكون مثل ذلك الكلام أساساً للإعجاز ، ولا دعامة له . ولأجل ذلك قلنا إنّ
__________________
(١) ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ، الرسالة الأولى للخطابي ، ص ٢١ .