تفسير حافل ، يفسّر القرآن من هذا الجانب ، ولعلّ « الكشاف » أحسن ما كتب في هذا الموضوع ، فقد ذكر الزمخشري فيه ، النكات البلاغية ، في تفسير الآيات ، وبذلك أثبت للقرآن إعجاز بيانياً خاصاً ، وأنّ كل آية بل كلّ كلمة واردة موردها .
ولما كانت الإحالة على مثل هذا الكتاب وغيره ، عن المحذور غير خالية ، نأتي بنماذج تثبت بلاغة القرآن ، وورود آياته وفق مقتضى الحال ، ونختار لذلك سورتين قصيرتين ، من السور المكية ، النازلة في أوائل البعثة .
روى المفسرون أنّ العاص بن وائل السهمي رأى رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج من المسجد ، فالتقيا عند باب بني سهم ، وتحدّثا ، وأُناس من صناديد قريش جلوس في المسجد ، فقالوا : من الذي كنت تتحدث معه . قال : ذلك الأبتر ، وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله بن رسول الله وهو من خديجة ، وكانوا يسمون من ليس له ابن أبتر ، فسمته قريش عند موت ابنه أبتر ، ومبتوراً (١) ، فأنزل الله سبحانه هذه الآيات :
( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) (٢) .
قال الزمخشري ، في رسالته حول إعجاز سورة الكوثر : « أُنظر ، كيف نُظمت النظم الأَنيق ، ورُتِّبت الترتيب الرشيق ، حيث قدّم منها ما يدفع الدعوى ويرفعها ، وما يقطع الشبهة ويقلعها ( إنّا أعطيناك الكوثر ) ، ثم لِما يَجِبُ أَنْ يكون عنه مسبَّباً وعليه مترتباً ( فصل لربك وانحر ) ، ثم ما هو تتمة الغرض من وقوع
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٥٤٩ .
(٢) سورة الكوثر .