إن التصوير الدقيق لسمو معاني القرآن لا يتأتى إلّا بذكر نماذج من الآيات في مجالات مختلفة .
يتجلى سمو معاني القرآن في مجال المعارف بشكل واضح . فقد جاء هذا الكتاب بأسمى المطالب ، وأغزر المضامين ، في الدعوة إلى التوحيد ورفض الأصنام ، ونفي الشرك والإثنينيّة ، بل في باب إثبات الصانع ، وصفاته . مضافاً إلى ما جاء من المضامين الدقيقة الفلسفية في الدعوة إلى عالم الغيب ، وبقاء الروح بعد فناء البدن ، وحشر الإنسان وعوده إلى الحياة ، إلى غير ذلك ممّا ذكرنا بعضاً منه في الجزء الأول ، ونذكر بعضاً آخر فيما يأتي من المباحث . ولكن لأجل عرض نموذج منه نأتي في هذا المقام بآيات :
أ ـ يقول سبحانه : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ) (١) .
أُنظر إلى هذا البيان الجزل ، كيف يشير إلى برهان الإمكان بصورة موجزة مستحكمة لم يكن العرب ولا حكماؤهم عارفين به . وتتّضح حقيقة سمو المعنى إذا أمعنت النظر في كل شقّ من هذه الشقوق الأربعة .
ب ـ يقول سبحانه : ( مَا اتَّخَذَ اللَّـهُ مِن وَلَدٍ ، وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـٰهٍ ، إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ ، وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (٢) .
ويقول سبحانه : ( أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا ، فَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (٣) .
__________________
(١) سورة الطور : الآيات ٣٥ ـ ٣٧ . وقد تعرضنا إلى مفاد الآيات في الجزء الأول من الكتاب .
(٢) سورة المؤمنون : الآية ٩١ .
(٣) سورة الأنبياء : الآيتان ٢١ و ٢٢ .