وسادسة عن طريق الإستدلال بالنَّوْمات الطويلة التي امتدت أكثر من ثلاثمائة سنة ، فإنّ النوم أخو الموت ، ولا سيما الطويل منه ، والإستيقاظ منه يشبه تطور الحياة وتجددها (١) .
فهذا النوع من البرهنة على عقيدة هي كالعمود الفقري في باب العقائد ، ممّا لا ترى له مثيلاً في كتب الأقدمين ، فإنّ هذه المعاني البديعة إذا انضمّ إليها الإستحكام في البيان ، تبهر العقول وتدهش النفوس .
وهذا النوع من العمق وافر في الآيات الواردة حول المعارف والعقائد ، وقد اكتفينا بما ذكرناه .
* * *
إنّ القرآن الكريم كتاب الهداية ، نزل للناس أجمعين ، ليبقى خالداً على جبين الدهر ، يرجع إليه كل من تحرّى الحقيقة ، وارتاد الواقع ، ولأجل ذلك اعتمد على البراهين اللامعة ، لا على الأساليب المعقّدة التي كانت ولم تزل ، رائجة بين الفلاسفة . فأخذ من المسلّمات برهاناً على النظريات ، ومن المشاهدات دليلاً على الحقائق غير المحسوسة ، كل ذلك ببيان واضح ، لا يقبل الخدش والشك . ويستلذّ به الذوق ، وتستسلم له العقول . وإليك نماذج من هذه البراهين :
١ ـ قال تعالى : ( قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ ، فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) (٢) .
فلاحظ ما أحلى استدلاله على نَفْي الولد ، بأنّه لو كان له وَلَدٌ كما يقول هؤلاء ، فاللائق للاتخاذ ولداً ، هم الأنبياء والمرسلون ، الذين عبدوه ، وخضعوا له ، وائتمروا بأمره .
__________________
(١) سورة الكهف : الآيات ٩ ـ ٢٩ .
(٢) سورة الزخرف : الآية ٨١ .