٦ ـ وقال تعالى : ( فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ) (١) . الكبرى مطوية ، أي وَكُلُّ آفلٍ غير مستحق للعبادة .
* * *
إنّ للقرآن طريقة موحدة في التعبير يتّخذها في أداء جميع الأغراض على السواء ، حتى أغراض البرهنة والجدل ، وتلك طريقة صوغ المعاني العالية في قالب التجسيم والتمثيل . ونحبّ أن نزيد المسألة إيضاحاً بالنماذج ، وأنّه كيف يصوّر المعاني السامية والحالات النفسية ويبرزها في صور حسيّة ، من غير فَرْقٍ بين المشاهد الطبيعية ، والحوادث الماضية والقصص المروية ، ومشاهد القيامة ، وصور النعيم والعذاب ، فيعبّر عن الكلّ كأنّها حاضرة شاخصة ، ولا شكّ أنّ هذه الطريقة تتفوق على نقل المعاني والحالات النفسية في صورها الذهنية التجريدية ، ونقل الحوادث والقصص أخباراً مروية ، والتعبير عن المشاهد والمناظر تعبيراً لفظياً لا تصويراً خيالياً . وإليك الأمثلة .
١ ـ معنى النفور الشديد من دعوة الإيمان ، يعبّر عنه بوجهين : أحدهما تجريدي ، والآخر تصويري .
فيقال في الأول : « إِنَّهُمْ لَيَنْفِرونْ أَشَدَّ النِّفْرَةِ مِنْ دَعْوَةِ الإِيمان » . فيتملَّى الذهن وحده معنى النفور في برود وسكون .
ويقال في الثاني : ( فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ ) (٢) فتشترك مع الذهن حاسة النظر ، وملكة الخيال ، وانفعال السخرية من هؤلاء الذين يفرون ، كما تَفر حُمُر الوحش من الأسد ، لا لشيء إلّا
__________________
(١) سورة الأنعام : الآية ٧٦ .
(٢) سورة المدثّر : الآيات ٤٩ ـ ٥١ .