هذه نماذج من التصوير الفني في القرآن الكريم وهناك لون آخر من التصوير يضفي على المعاني الذهنية والحالات المعنوية صوراً حسيّة . مثلاً :
١ ـ الصبح مشهدٌ مألوف متكرر ، ولكنه في تعبير القرآن حيٌّ لم تشهده من قبل عينان ، وأنه ( وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) (١) .
٢ ـ والليل آن من الزمان معهود ، ولكنه في تعبير القرآن ، حي جديد ، ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ) (٢) ، وهو يطلب النهار في سباق جبّار ( يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا ) (٣) .
٣ ـ والظلّ ظاهرة تُشهد وتُعرف ، ولكنه في تعبير القرآن نَفْسٌ تَحُسُّ وتَتَصرّف ، ( وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ) (٤) .
٤ ـ والجدار بُنْيَةٌ جامدة كالجلمود ، ولكنه في تعبير القرآن يحسّ ويريد : ( فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ) (٥) .
٥ ـ والطَّير أبنية حية ، ولكنها مألوفة لا تلفت الإنسان ، أمّا في تعبير القرآن فمشهد رائعٌ ، يثير الجَنان : ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ، مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَـٰنُ ) (٦) .
٦ ـ والأرضُ والسماءُ ، والشَّمْسُ والقَمَرُ ، والجبال والوديان ، والدُور العامرة ، والآثار الداثرة ، والنبات والأشجار والأفنان ، أمواتٌ عند الناس ، لكنها في القرآن أحياء ، أو مشاهد تخاطب الأحياء ، فليس هناك جامد ولا ميت بين الجوامد والأشياء (٧) .
__________________
(١) سورة التكوير : الآية ١٨ .
(٢) سورة الفجر : الآية ٤ .
(٣) سورة الأعراف : الآية ٥٤ .
(٤) سورة الواقعة : الآيتان ٤٣ و ٤٤ .
(٥) سورة الكهف : الآية ٧٧ .
(٦) سورة المُلك : الآية ١٩ .
(٧) ما ذكرناه اقتبسناه من « التصوير الفني في القرآن » ، للسيد قطب ، ص ١٩٣ ـ ٢٠٣ .