العُلْيا ، والحقائق السامية ، وأقَرَّ بأنّ هذا القرآن : « باطنه عميق » ، وأنّ « أعلاه لمثمر ، وأسفله لمُغْدق » .
* * *
هناك نمط آخر من عمق المعنى ، يغاير النمط السابق منه ، وهو أنّه يوجد في القرآن آيات يتردد المقصود منها بين احتمالات تدهش العقول وتحيّر الألباب ، وهي بَعْدُ معتمدة على أريكة حسنها ، متجملة في أجمل جمالها ، متحلية بحليِّ بلاغتها وفصاحتها . ونذكر من هذا النمط نموذجاً واحداً ، ونشير في آخر الكلام إلى نموذج آخر :
قال سبحانه : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ، يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ ، هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ ، فَلَا تَكْفُرْ ، فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ، وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ، وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (١) .
إنّ هذه الآية تحتمل من المعاني الكثيرة ما يدهش الإنسان ويثير إعجابه ، وهي ناشئة من كيفية تبيين مفرداتها وجملها . وهذه الإحتمالات يراها المتتبع في كتب التفاسير ، وهي :
١ ـ ما هو المراد من الضمير في قوله : « اتّبعوا » ، أهم اليهود الذين كانوا في عهد سليمان ، أو الذين في عهد رسول الله ، أو الجميع ؟ .
__________________
(١) سورة البقرة : الآيتان ١٠٢ و ١٠٣ .