تآخت معانيها وتناسبت فكانت نبعاً سماوياً يتدفق في تسلسل وترابط ، لا ترى العين منه إلّا كياناً واحداً من منبعه إلى مصبّه .
٣ ـ يقول سبحانه : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّـهِ ذِي الْمَعَارِجِ ) (١) .
فليس في هذه الآيات حرف عطف يجمع كلمة إلى كلمة ، أو آية إلى آية . وهي مع هذا يسودها التلاحم والتآخي والتساند ، يجذب بعضها بعضاً . فهناك سائل يسأل ، وموضوعُ سؤالِهِ عذابٌ واقع ، والذين وقع بهم العذاب هم الكافرون ، وهو عذاب لا يدفع ، لأنّه عذابٌ من الله ذي المعارج .
* * *
إنّ لكل نوع من المعنى ، نوعاً من اللفظ هو به أولى وأصلح ، وضروباً من العبارة ، هي بتأديته أقوم ، ومأخذاً إذا أُخذ منه كان إلى الفهم أقرب وبالقبول أَلْيَقْ ، وكان السمع له أوعى ، والنفس إليه أميل .
إنّ في لغة العرب ألفاظاً متقاربة في المعاني ، ربما يحسب غير المطّلع ترادفها ، وتساويها في إفادة المقصود ، كالعلم والمعرفة ، والحمد والشكر ، والبخل والشُّح ، والقعود والجلوس ، حتى بين الحروف كـ « بلى » و « نعم » ، وغير ذلك من الأسماء والأفعال . فإنّ لكل لفظة منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها ، وإن كانا يشتركان في بعضها .
وقد اهتمّ القرآن ، باستعمال كل كلمة في موضعها بحيث لو أُزيلت الكلمة وأُقيمت مكانها ما يظن كونه مرادفاً لها ، لفسد المعنى ، وزال الرونق .
ولأجل إيقاف الباحث على هذا النوع من النظم ، نأتي بنماذج :
__________________
(١) سورة المعارج : الآيات ١ ـ ٣ .