وتتضح حاجة الانسان إلى المعرفة بالوقوف على أُمور :
إن الموجودات الحية تصل إلى الغايات التي خلقت لها ، في ظلّ الهداية التكوينية والغرائز المودعة في ذواتها ، ولا تحتاج في بلوغها ذلك الكمال إلى عامل خارج عن ذواتها ، سوى الإِنسان .
إن الإِنسان ، وإن كان مجهّزا بغرائز ذاتية ، إلا أنها غير وافية في إبلاغه الغاية التي خلق لها ، ولا تعالج إلا القليل من حاجاته الضرورية . ولاجل ذلك ضمّ خالق الإنسان إلى تلك الغرائز ، مصباحاً يضيء له السبيل في مسيرة الحياة ، ويفي بحاجاته التي تقصر الغرائز عن إيفائها ، وهو العقل .
ومع ذلك كله فإن العقل والغرائز غير كافيين أيضا في إبلاغ الانسان إلى السعادة المتوخاة ، بل يحتاج معهما إلى عامل ثالث يعنيه في بلوغ تلك الغاية .
ووجه ذلك أن العقل الإِنساني غير مصون عن الخطأ والزلل والإِشتباه ، وذلك لأن عمل العقل إختياري ، فإنه يرى أمامه طرقاً متعددة وخطوطاً متفاوته ، عليه أن يسلك إحداها ويتجنب بقيّتها ، وكثيراً ما يركب الخاطيء منها ويحيد عن الصائب .
إذا كان العقل والغرائز غير وافيين بحلّ عامة مشاكل الإِنسان ، فالعلم الإِنساني أيضاً غير كاف فيه ، وذلك أن الإِنسان رغم التقدم الذي أحرزه في العلوم الطبيعية ، لا يزال في بدايات سلّم هذا العلم ، وما أحرزه ضئيل جداً أمام أسرار الكون العظيم . ورغم أن الإِنسان تمكّن من معرفة قسم من المعادلات والقوانين التي تسير عليها الظواهر الطبيعية والقوى الكونية ، إلّا أنّه لا يعلم أي شيء هي ، وما حقيقتها وماهيتها (١) .
__________________
(١) وقف مرة اينشتاين العالم الكبير ، عند درج صغير
أسفل مكتبته ، وقال : « إنّ نسبة ما أعلم إلى ما