التنبيه الأول
آيتان على منضدة التشريح
بعد أن وقفت على الدعائم الأربع التي يتحقق معها إعجاز القرآن ، فهلمّ إلى تحليل آيتين من آياته ، نستجلي فيهما حقيقة الإعجاز ، ونقف على المزايا الفريدة الموجودة فيهما ـ مضافاً إلى اشتمالهما على الدعائم الأربع ـ فسترى أنّ كل واحدة منهما كافية في إثبات أنّها أعلى من أن تكون مصنوعة للبشر ، وإن بلغوا في الفصاحة والبلاغة كلّ مبلغ .
قال ـ عَزَّ مِنْ قائل ـ : ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ ، وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي ، وَغِيضَ الْمَاءُ ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ، وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) .
هذه الآية الكريمة من بدائع آيات القرآن الكريم ، وهي التي أُنْزِلَتْ ، فأَنْزَلَتْ قُريشُ معلقاتها السبع عن جدران الكعبة ، وهي التي شغلت بال باقعة الأُدباء ، عبد الله بن المقفع (٢) ، وهي التي شغلت بال أساتذة البديع ، لأنّها
__________________
(١) سورة هود : الآية ٤٤ .
(٢) روى هشام بن الحكم ، قال : اجتمع ابن أبي العوجاء
وأبو شاكر الديصاني ، وعبد الملك البصري ، =