ومن مزايا بيان القرآن ، تَكَلُّمُه من موقع الإستعلاء وتحدّثه بلسان من يملك الأمر كلّه ، ومن بيده ملكوت السموات والأرض ، وفي قبضته كلُّ شيء . فهو في مخاطباته ومجادلاته وأوامره ونواهيه ، وفي وعده ووعيده ، وفي أمثاله وقصصه ، وفي مواعظه ونُذُره ، يتَّسم بالعلو الشامخ ، ويتصدر المقام الرفيع الذي لا يُنال ، ويتحدث إلى الناس حديث من يملك كل شيء ، ومن يقوم على كل شيء ، ومن يدبّر ويُقَدّر ، دون أن يقف أحد أمام سلطانه ، فاستمع لقوله سبحانه :
( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ، مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ) (١) .
وقوله سبحانه : ( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (٢) .
وقوله سبحانه : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ، فَسَيَقُولُونَ اللَّـهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ) (٣) .
إِمتاز القرآن المجيد في تعابيره بالنزاهة والعفة ، مع أنّه ظهر في بيئة لا تعرف للعفَّة مفهوماً ، فلا تجد فيه تعبيراً سيئاً ، ومَنْهجاً ركيكاً ، يخالف الأدب حتى في
__________________
(١) سورة المُلْك : الآيات ١ ـ ٤ .
(٢) سورة المُلْك : الآيتان ١٣ و ١٤ .
(٣) سورة يونس : الآيتان ٣١ و ٣٢ .