التنبيه الثالث
مذهب الصَّرْفة (١)
اهتمّ المسلمون من الصدر الأول بالبحث عن وجه إعجاز القرآن ، وكان الرأي السائد بينهم في إعجازه هو كونه في الطبقة العليا من الفصاحة ، والدرجة القُصْوى من البلاغة ، مع ما له من النَّظم الفريد ، والأسلوب البديع . وهذه الأُمور الأربعة أضْفَتْ على القرآن وصف الإعجاز حتى صار معجزة القرون والأعصار .
نعم نَجَم في القرن الثالث مذهب اشتهر بمذهب الصَّرْفة ، وإليه ذهب جماعة من المتكلمين ، وهو يقوم على أساس أنّ العرب لم يقدروا على الإتيان بمثل القرآن ، لا لإعجازه بحدّ ذاته ، وأنّ القرآن بلغ في فرط الفصاحة والبلاغة ، وروعة النظم وبداعة الأُسلوب شأواً لا تبلغه الطاقة البشرية ، بل لأجل أنّه سبحانه صرَفَ بُلَغَاء العرب وفصحاءَهم عن المعارضة بطريق من الطُرق الآتي ذكرها .
وقد حُكي هذا المذهب عن أبي إسحاق النَّظام ، وهو أقدم من نسب إليه هذا القول . وتبعه أبو إسحاق النصيبي ، وعبّاد بن سليمان الصَّيمري ، وهشام بن عمرو الفوطي ، وغيرهم .
__________________
(١) التاء في الصَّرفة ، تاء المصدرية التي تلحق كثيراً من المصادر مثل : الرحمة ، والرأفة ، وغيرهما .