واختاره من الإمامية الشيخ المفيد ( ت ٣٣٨ ـ م ٤١٣ ) في أوائل المقالات ، وإن حُكي عنه غيره . والسيد المرتضى ( ت ٣٥٥ ـ م ٤٣٦ ) في رسالته الخاصة بهذا الموضوع التي أسماها بـ « الموضح عن جهة إعجاز القرآن » . والشيخ الطوسي ( ت ٣٨٥ ـ م ٤٦٠ ) في شرحه لجمل السيد ، وإن رجع عنه في كتابه « الإقتصاد » . وابن سنان الخفاجي ( م ٤٦٤ ) في كتابه « سِرّ الفصاحة » .
ولما كان هذا المذهب قد أحاط به الإبهام ، واضطربت في تفسيره الأذهان ، فأقرب ما يمكن اعتماده في الوَقوف على حقيقته ، الرجوع إلى نفس عبارات المتمسكين به .
إنّ القائلين بأنّ القرآن معجز من حيث الفصاحة ، والبلاغة ، وروعة النظم وجماله ، وبداعة الأُسلوب والسَّبك ، يقولون بأنّ القرآن وصل من فرط كمالِهِ فيها إلى حدّ تقصر القدرة البشرية عن الإتيان بمثله ، من غير فرق بين السابِقين على البِعثة واللاحقين عليها .
وأمّا القائلون بمذهب الصَّرْفة ، فإنهم يعترفون بفصاحة القرآن وبلاغته ، وروعة نظمه وبداعة أُسلوبه ، لكنهم لا يرونه على حدّ الإعجاز ، بل يقولون : ليس الإتيان بمثله خارجاً عن طوق القدرة البشرية ، فهي كافية في مقام المعارضة ، وإنّما العجز والهزيمة في حلبة المبارزة لأمر آخر ، وهو حيلولته سبحانه بينهم وبين الإتيان بمثله .
وبعبارة أخرى : إنّ القائلين بكون إعجاز القرآن من جهة فصاحته وبلاغته ونظمه وأُسلوبه ، يقولون إنّ الإعجاز إنّما يتعلق بأمر ممكن بالذات ، لأنّه لو كان محالاً بالذات ـ كاجتماع النقيضين وارتفاعهما ـ فلا تتعلق به القدرة مطلقاً ، سواء أكانت قدرة إلهية أو قدرة بشرية . وعلى ضوء ذلك ، فالإتيان بكتاب مثل القرآن ، أمر ممكن بالذات ، وليس أمراً محالاً بالذات ، غير أنّه لا تكفي لذلك القدرة البشرية العادية . فالإتيان بمثله محال عادي ، لا تزول استحالته إلّا أن يتجهّز الآتي بمثله بقدرة فوق القدرة العادية .