وقوفهم على هذه المعارف في ظل ما وصل اليهم من التعاليم السماوية عن طريق رسله سبحانه وأنبيائه .
ربما يتصور أن الهدف الوحيد من بعثة الأنبياء ، هو هداية الناس إلى المبدأ والمعاد ، وما في المبدأ من صفات جمال وجلال ، ولكن هذه الفكرة نصرانية بحتة ، فإن هدف الأنبياء أوسع من ذلك ، فإنهم قد بعثوا ـ مضافاً إلى ما مرّ ـ لهداية الناس إلى وسائل السعادة والشقاء ، فلأجل ذلك حثّوا على الأخلاق والمثل العليا في الحياة ، كما بيّنوا مصالح العباد ومفاسدهم الفردية والإِجتماعية ، ولذا كانت برامجهم تتسع وتتكامل بتكامل المجتمعات البشرية ، حتى ختم التشريع بخاتم الأنبياء ، وتبيّنت معالم الهداية في كافة الجوانب .
والذي يحتم ضرورة هذا الهدف قصور العلم الأنساني عن تشخيص منافع البشر والمجتمعات ومضارّها ، ويدل على ذلك :
أولاً ـ إن المجتمع الأنساني ـ مع ما بلغه من الغرور العلمي ـ لم يقف بعد على ألفباء الأقتصاد . فقد انقسم العالم الحديث إلى طائفتين : واحدة تزعم أن سعادة البشرية في نظام الرأسمالية والإِقتصاد الحر المطلق ، وانه هو العامل الوحيد لرفاه المجتمعات وتفجّر الطاقات . والأُخرى تدّعي أنّ سعادة البشر في النظام الاشتراكي بدءً والشيوعي غايةً ، فالسعادة كلها في سلب الملكية عن أدوات الإنتاج وتفويضها إلى الدولة الحاكمة .
فلو كان الأنسان قادراً بحق على تشخيص المصالح والمفاسد ، وما ينفعه وما يضره ، لما حصل هذا الإِختلاف ، الذي انجر إلى انقسام خطير بين دول العالم .
ثانياً ـ وكما أن الإنسان
لم يصل إلى النظام الإقتصادي النافع له ، فهو كذلك