عنده ، وقال الأحنف لعمّه . « كيف رأيته ؟ » ، قال : « ليس بمتنبيء صادق ، ولا بكذّاب حاذق » (١) .
معنى المعارضة أنّ الرجل إذا أنشأ خطبة أو قال شعراً ، يجيء الآخر فيجاريه في لفظه ويباريه في معناه ليوازن بين الكلامين ، فيحكم بالفلج على أحد الطرفين . وليس معنى المعارضة أن يأخذ من أطراف كلام خصمه ، ثم يبدل كلمة مكان كلمة ، فيصل بعضه ببعض وصل ترقيع وتلفيق ، كما وقع في ذاك الكلام المنسوب إلى مسيلمة . وها نحن نأتي ببعض المعارضات التي وقعت في العصر الجاهلي بين شاعرين كبيرين ، فهذا النابغة الذبياني يصف لَيْلَهُ في أشعاره المعروفة التي يعتذر فيها للنعمان ، ويقول :
كليني لهمّ يا أميمة ناصبِ |
وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكبِ |
|
تَطاوَلَ حتى قُلت ليس بِمُنْقَضٍ |
وليس الذي يرعى النجوم بآيبِ |
|
بصدرٍ أراح الليْل عازِب همِّه |
تضاعف فيه الحزن من كل جانبِ |
ونرى أنّ امرىء القيس يقول في نفس الموضوع :
وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله |
عليّ بأنواع الهُموم ليبتلي |
|
فقلت له لمّا تمطّى بصُلْبه |
وأردف أعجاز وناء بكلكلِ |
|
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي |
بصبح وما الإصباح منك بأمثلِ |
|
فيا لكَ من ليلٍ كأن نجومه |
بكل مغار الفتل شدّت بِيَذْبُلِ |
هذه هي حقيقة المعارضة ؛ فقول النابغة متناه في الحسن ، بليغ في وصف ما شكاه من همّه وطول ليله ، ويقال إنّه لم يتبديء شاعر قصيدة بأحسن من هذا الكلام ، خصوصاً قوله : « بصدر أراح الليلُ عازب همِّه » . وهو كلام مطبوع سهل يجمع البلاغة والعذوبة . إلّا أنّ في أبيات امرىء القيس من ثقافة الصنعة ،
__________________
(١) لاحظ ما نسب إليه في تاريخ الطبري ، ج ٢ ، ص ٤٩٨ ـ ٤٩٩ ، وص ٥٠٦ .