الضرر عن النفس ، وثبت أيضاً أن ما يدعو الى الواجب ويصرف عن القبيح فإنه واجب لا محالة . إذا صحّ هذا ، وكنا نجوّز أن يكون في الافعال ما إذا فعلناه كنا عند ذلك أقرب إلى أداء الواجبات (١) وأجتناب المقبّحات ، وفيها ما اذا فعلناه كنا بالعكس من ذلك ، ولم يكن في قوة العقل ما يعرف به ذلك ويفصل بين ما هو مصلحة ولطف ، وبين ما لا يكون كذلك ، فلا بد من أن يعرّفنا الله حال هذه الأفعال كي لا يكون عائداً بالنقص على غرضه بالتكليف . وإذا كان لا يمكن تعريفنا ذلك إلّا بأن يبعث إلينا رسولاً مؤيّداً بالمعجز الدالّ على صدقه ، فلا بُدّ من أن يفعل ذلك ، ولا يجوز له الإخلال به (٢) .
قد جاء في الكتاب العزيز والسنة الشريفة إشارة الى هذا الدليل نذكر منها :
قوله سبحانه : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّـهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ . . . ) (٣) .
فإن الاختلاف ـ إن كان عن نوايا صادقة ـ آية عجز البشر عن الوصول إلى الحقيقة .
وقول رسول الله صلى الله عليه وآله : « ولا بعث الله نبيّاً ولا رسولاً حتى يستكمل العقل . . . » (٤) .
وقول أمير المؤمنين عليه السلام : « فبعث الله محمدا صلى الله عليه وآله
__________________
(١) المراد من الواجبات ليس الفرائض الشرعية بل ما يقابل المقبحات ، وهي الامور التي يحكم العقل بحسنها ولزوم الإِتيان بها .
(٢) شرح الاصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ، ص ٥٦٤ .
(٣) سورة البقرة : الآية ٢١٣ .
(٤) الكافي ، ج ١ ، كتاب العقل والجهل ، الحديث ١١ .