شواهد إعجاز القرآن (٢) |
|
عدم الإختلاف في الأُسلوب
إنّ القرآن الكريم نزل نجوماً في مدّة تقرب من ثلاث وعشرين سنة (١) ، في فترات مختلفة وأحوال متفاوتة من ليل ونهار ، وحضر وسفر ، وحرب وسِلْم ، وضرّاء وسرّاء ، وشدّة ورخاء ، ومن المعلوم أنّ هذه الأحوال تؤثّر في الفكر والتعقّل وفي قرائح قادة الكلام ، وأصحاب البلاغة ، فربما يقدر البليغ على إلقاء خطابة بليغة في حالة ، ولا يقدر عليها في أُخرى . أو الشاعر المُفْلِق يجود بقريض معجِب في ظروف روحيّة خاصة ، يعجز عنه في أُخرى . وذلك أمر ملموس لمن مارس إلقاء الخُطب ونظم القريض .
ولكن القرآن جاء على خلاف هذه القاعدة ، فلم يختلف حاله في بلاغته الخارقة المعجزة . كما أنّ الأُسلوب في جميع السور النازلة في هذه المدة المديدة ، واحد . « فسورة العلق » التي هي أوّل سورة نزلت على النبي ، نظير سورة « النصر » التي نزلت عليه في أُخريات أَيامه ، في الأُسلوب والبيان ، من دون أن يكون هناك اختلاف بينهما .
__________________
(١) قد تضافرت الآيات على أنّ القرآن نزل نجوماً ، وكان هذا أحد الإشكالات التي وجهها الكفّار والمشركون إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فقد كانوا يطلبون منه أن يأتي بكتاب مجموع مُدَوّن مرة واحدة ، وهذا ما يحكيه سبحانه مجيباً عنه في قوله : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ) ( الفرقان : الآية ٣٢ ) .