الدناسة والخيانة . وكل ذلك مما يلمسه الإِنسان في حياته ويعايشه في وجدانه ، وقد كشف عنه العلم الحديث وأيّده (١) .
إن إعمال الغرائز والفطريات ـ وإِن كان به قوام الحياة ـ إِلا أنَّه لا يصح في المقابل تركها وحالها وإفساح المجال لها ، وإِلا أَدّى ذلك بالحياة البشرية إِلى الفناء والهلاك . وإنما تتحق سعادة الإِنسان بهداية فطرياته هداية صحيحة وتعديل غرائزه على وجه يفي بحاجاته ولا يخرجه عن طور إِنسانيته .
بيان ما ذكرنا : إن الثلوج المتراكمة على قمم الجبال إنما يمكن الأنتفاع بها إذا كان هناك جداول وقنوات تمتد من رأس كلّ جبل إلى السهول المحيطة به ، فتسيل فيها مياه الثلوج الذائبة بالتدريج . وفي غير تلك الصورة يسيل الماء كيف كان ، جارفاً في طريقه الاحجار والصخور ، وربما أنقلب إلى سيل جارف يدمّر كلَّ شيء أمامه .
وكذلك الفِصَل المغروسة ، أو البذور المنثورة على الأرض ، تحمل في ذواتها قوى واستعدادات ، إلا أنَّ تفجُّر تلك الطاقات يحتاج إلى من يتعهدها حراسةً وسقايةً وعنايةً على النحو المأنوس ، وعندها تصير الفِصَل أشجاراً مثمرة ، والبذور سنابل ذهبية .
ثم نقول : إذا كانت الإِستفادة من الثلوج المتراكمة على الجبال ، والفصل المغروسة والبذور المنثورة على الأرض ، متوقفاً على هداية خاصّة ، حتى تصب في مجراها الصحيح ، وتَرْشُدَ على نهجها الطبيعي ، فكذلك الأمر في السجايا الإِنسانية والغرائز البشرية الكامنة في وجود الانسان ، فإنها لن تعود عليه بالنفع والصلاح إلا في ظل هداية تمنعها من الإفراط والتفريط ، وتسيّرها في ما هو صالح البدن والروح .
__________________
(١) تقدم التعرض لذلك في مقدمات الجزء الاول : الالهيات ، ج ١ ، ص ١١ ـ ١٣ .