وقسم تحكم عليه تقاليده بالروحانية الخالصة وترك الدنيا وما فيها من اللذات الجسمانية ، كالنصارى والصابئين وطوائف من وثنيي الهند أصحاب الرياضات .
فجاء التقنين القرآني وجمع بين الحقّين : حقِّ الروح وحقِّ الجسد ، ولعلّه إلى ذلك يشير قوله سبحانه : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) (١) . فعدّل الغرائز والميول تعديلاً يضمن سعادة الإنسان .
فدعا إلى الإلتذاذ بملاذ الحياة وقال : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (٢) .
وفي الوقت نفسه ، دعا إلى النكاح وحسن معاشرة النساء وقال : ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) (٣) وقال : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٤) .
ودعا إلى الضرب في الأرض سعياً لطلب الرزق ، فقال : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) (٥) .
ومع ذلك كلّه فلم يفسح له المجال للإلتذاذ المطلق بل حدده في مجال إعمال الغريزة الجنسية وجمع الثروة وغير ذلك من ملاذ الحياة ، بحدود وقيود . فمنع الفجور والزِّنا ، وأَكْلَ المالِ بالباطل ، وأَخْذَ الربا ، وغصب الأموال ، والسرقة فالقرآن دعا إلى طلب الدنيا في نفس الوقت الذي دعا فيه إلى طلب الآخرة ، فقال : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ، وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) (٦) .
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٤٣ .
(٢) سورة الأعراف : الآية ٣٢ .
(٣) سورة النور : الآية ٣٢ .
(٤) سورة النساء : الآية ١٩ .
(٥) سورة المُلْك : الآية ١٥ .
(٦) سورة القصص : الآية ٧٧ .