بل إنّه ضَمَّ إلى تلك الحوافز أمراً رابعاً وهو أنّه فَرَضَ الأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المجتمع الإسلامي ، فرأى سكوت المسلم والمجتمع أمام المخطيء والمجرم خطأً وجُرماً ، قال سبحانه : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) (١) .
وبذلك أصبح التشريع القرآني متكامل الجوانب في مجالي التسنين والتطبيق .
* * *
إنّ التشريع الإسلامي ، في مختلف الأبواب ، مشتمل على أُصول وقواعد عامة تفي باستنباط الآلاف من الفروع التي يحتاج إليها المجتمع البشري ، على امتداد القرون والأجيال ، وهذه الثروة العلمية التي اختصّت بها الأُمّة الإسلامية من بين سائر الأمم ، أَغنت الشريعة الإسلامية عن التمسّك بكل تشريع سواها .
قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام ـ في هذا المجال ـ : « إنّ الله تعالى لم يَدَعْ شيئاً تحتاج إليه الأُمّة إِلّا أنزله في كتابه وبَيَّنه لرسوله ، وجعل لكل شيء حَدّاً ، وجعل عليه دليلاً يَدُلُّ عليه » (٢) .
والدليل الواضح على ذلك ، أنّ المسلمين عندما بسطوا ظلال دولتهم على أكثر من نصف المعمورة ، وأمم الأرض المختلفة العادات والتقاليد والوقائع والأحداث ، رفعوا ـ رغم ذلك ـ صرح الحضارة الإسلامية ، وأداروا المجتمع الإسلامي طيلة قرون ، في ظل الكتاب والسنّة ، من غير أن يستعينوا بتشريعات أجنبية . وهذا العلامة الحلّي أحد عظماء فقهاء الإمامية في القرن الثامن ، ألّف كتاباً باسم « تحرير الأحكام الشرعية » ، أودع فيه من الأحكام والقوانين ما يربو
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ١٠٤ .
(٢) الكافي ، ج ١ ، ص ٥٩ .