طلوعها على قوم وغروبها عنهم ميزاناً له ، ولأجل ذلك جاء في بعض الأحاديث : « إنّما عليك مشرقك ومغربك » (١) .
نعم ، كان للفلاسفة الأقدمين نظريات شتى حول شكل الأرض وكرويتها ، وكان الإعتقاد بكرويتها منتشراً عند ظهور نظرية بطلميوس ، غير أنها لم تكن معروفة في الحجاز ، وإنّما كان تفكير الأُميين من العرب حول الأرض ، تفكير إنسان بدوي يعيش في الصحراء القاحلة . فالإجهار بهذه الحقيقة في تلك البيئة البعيدة عن الحضارة ، لا يصحّ إلّا إذا اعتمد المخبر ، على منطق الوحي .
* * *
من الأسرار التي كشف عنها القرآن قبل أربعة عشر قرناً ، وجود العالم الذي اكتشفه البَحّار كريستوف كولمبوس .
قال سبحانه : ( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) (٢) .
وقد شغلت الآية بال المفسّرين ، ففسّروها تارة بمشرقي الشمس والقمر ، ومغربيهما ، وأُخرى بمشرقي الصيف والشتاء ، ومغربيهما . ولكن الظاهر هو الإشارة إلى وجود قارة أُخرى ، على الوجه الآخر من الكرة الأرضية ، يلازم شروق الشمس عليها ، غروبها عنّا ، وذلك لقوله سبحانه ـ حاكياً عن المجرمين يوم القيامة ـ : ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) (٣) . فالظاهر أنّ المشرقين في الآيتين متحدّان أوّلاً ، وأَنَّ البُعْد بينهما أطول مسافة محسوسة للمتمني ثانياً . وليست المسافة بين مشرقي الشمس والقمر أو مشرقي الصيف والشتاء أطول مسافة محسوسة ، فلا بدّ من أن يكون المراد منها
__________________
(١) الوسائل ، ج ٣ ، كتاب الصلاة ، الباب ٢٠ ، من أبواب المواقيت ، الحديث ٢ .
(٢) سورة الرحمن : الآية ١٧ .
(٣) سورة الزخرف : الآية ٣٨ .