المسافة التي ما بين المشرق والمغرب . ومعنى ذلك أن يكون المغرب مشرقاً لجزء آخر من الكرة الأرضية ، ليصحّ هذا التعبير . فالآية تدلّ على وجود هذا الجزء الذي لم يكتشف إلّا بعد مئات السنين من نزول القرآن ، كما أنّ إِفراد المشرق والمغرب في قوله سبحانه : ( وَلِلَّـهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ ) (١) ، لأجل الإشارة إلى المشرق والمغرب المحسوسين لمن يعيش على هذا الوجه من الأرض .
وبالجملة ، إنّ تفسير المشرقين بالمعنى الأول والثاني ، بعيد عن الأفهام العرفية ، وإنّما يختصّ التفسير بهما بالفلكيين الأخصائين في هذا الفن ، والقرآن ينقله عن المجرم المتمني يوم القيامة .
* * *
إنّ القرآن المجيد يخبر عن حركة الأجرام السماوية المحدودة ، يقول سبحانه : ( لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ ، وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (٢) .
والفَلَكَ في اللغة العربية ـ كما صرّح به الراغب في مفرداته ـ مجرى الكواكب ، وتسميته بذلك لكونه كالفُلْك (٣) .
وعلى ذلك فالفَلَك ليس بجسم وإنّما هو مدار النجوم .
وقد شبَّه سبحانه حركة الشمس والقمر ، بحركة الأسماك في البِحار حيث يقول : ( يَسْبَحُونَ ) والسَّبْح : المَرُّ السريع في الماء ، واستعير لمرّ النجوم في الفلك (٤) .
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١١٥ .
(٢) سورة يس : الآية ٤٠ .
(٣) مفردات الراغب ، مادة فلك ، ص ٣٨٥ .
(٤) مفردات الراغب ، مادة سبح ، ص ٢٢١ .