ولكن القرآن أشار إلى حركة الأرض بعبارات لم تتضح إلّا بعد قرون من الزمن ، وقد جاء ذلك في ضمن آيتين :
الأولى ـ قوله تعالى : ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا ) (١) فقد استعار للأرض لفظ المهد الذي يعمل للرضيع ويُهَزّ بهدوء لينام فيه مستريحاً هادئاً . وكذلك الأرض ، مهدٌ للبشر ، وملائمة لهم من جهة حركتها الوضعية والإنتقالية . فكما أنّ الغاية من حركة المهد رعاية الطفل وطمأنينته ، فكذلك الأرض ، فإنّ الغاية من حركتها اليومية والسنوية ، تربية الإنسان ، بل وجميع ما عليها من الحيوان والنبات والجماد . وإنّما أشار إلى الحركة ولم يصرّح بها ، لأنّها نزلت في زمان أجمعت عقول البشر فيه على سكونها ، حتى أنّه كان يُعَدُّ مِنَ الضروريات التي لا تقبل التشكيك .
الثانية ـ قولُه تعالى : ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ، وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) (٢) .
إنّ بعض المفسّرين يخصّ الآية بيوم القيامة ، لأنّها وردت في سياق آياتها ، فقد ورد قبلَها : ( وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ) (٣) .
ويلاحظ عليه أنّ الآية المتقدمة على هذه الآية ، تبحث عن الحياة الدنيوية ، يقول سبحانه : ( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (٤) . فَتَوَسُّطُ الآيةِ الراجعةِ إلى يوم القيامة ، لا يمنع صلة الآية بالحياة الدنيوية ، إذا كان هناك صلة وتناسب بين الآيات ، هذا .
مع أنّ القرائن الموجودة في نفس الآية تؤيّد خلافه ، أَمّا أَوّلاً : فإنّه سبحانه يقول : ( تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) ، مع أنّ يوم القيامة ، يومُ ظهور الحقائق وكشف
__________________
(١) سورة طه : الآية ٥٣ .
(٢) سورة النمل : الآية ٨٨ .
(٣) سورة النمل : الآية ٨٧ .
(٤) سورة النمل : الآية ٨٦ .