فهذه القرائن تؤيّد كون الآية راجعة إلى حياتنا الدنيوية .
وأمّا دلالتها على حركة الأرض ، فلا شكّ أنّ حركة الجبال متّصلة بحركة الأرض وتابعة لها ، لرسوخها فيها ، وتَشَعُّب أُصولها في بواطنها ، فحركتها تلازم حركة الأرض . ومعنى الآية : إنّ الأرض والجبال وما عليها وما فيها ، في حركة مستمرة كحركة السحاب . وأمّا تخصيص الجبال بالذكر ، فلأجل ما فيها من الوزن والثقل والإرتفاع ، وقدرة الله تسيرها كالسحاب . والقرآن ذكر الجبال لعظمتها وثقلها ، ليبرهن بها على أنّ قدرة الله نافذة في كل موجود ، ووسعت كل شيء .
وأمّا تشبيه حركتها بحركة السَّحاب ، فلإفهام أمرين :
١ ـ كما أنّ حركة السَّحاب تكون بسكون وهدوء ، بدون صخب واضطّراب ، فكذلك حركة الجبال تتحقق بسكون وطمأنينة .
٢ ـ سرعة الحركة ، حيث تتحرك كتحرك السحاب حين تهب الريح . فإنّ حركة السُّحب عند هبوب الرياح والعواصف حركة سريعة ، ولأجل ذلك يشبهون مرور الفُرَص بمرّ السحاب ، كما يقولون : « الفرصة تَمُرُّ مَرّ السحاب » .
* * *
إنّ القرآن يدعو المسلمين عامة إلى التدبّر في الآيات الكونية ، ويجعل ذلك علامة للإيمان ، ويقول :
( وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ) (١) .
ويقول سبحانه : ( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا ، سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (٢) .
__________________
(١) سورة الفرقان : الآية ٧٣ .
(٢) سورة آل عمران : الآية ١٩١ .