فالتدبُّر في الآيات الكونية ، وكشف السنن السائدة عليها ، آية الإيمان ، ورمزُ العبودية .
وعلى ذلك ، فَهَلُمَّ نتدبر في آي الذّكر الحكيم التي تصف النباتات بالزوجية .
يقول سبحانه : ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ) (١) .
وفي آية أُخرى يُعمّم وصف الزوجية إلى جميع الموجودات ، ويقول : ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٢) .
وقد شغلت الآيتان ، وما ورد في مضمونهما ، بال المفسّرين . ففسّروا الزوجية في النباتات بالأنواع والأصناف المتشابهة . قال الراغب : « قوله : ( أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ ) أي أنواعاً متشابهة » .
كما فسّروا الزوجية في الموجودات بتركّبها من جوهر وعرض ، أو مادة وصورة ، قال الراغب : « قوله : ( مِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) تنبيهٌ على أنّ الأشياء كلَّها مركبة من جوهر وعرض ، ومادة وصورة ، وأنْ لا شيء يتعرى من تركيب يقتضي كونه مصنوعاً ، وأنّه لا بدّ له من صانع ، تنبيهاً على أنّه تعالى هو الفرد ، فبيّن أنّ كلَّ ما في العالم زوج ، حيث إِنّ له ضداً ، أو مثلاً ما ، أو تركيباً ما ، بل لا ينفك بوجه من تركيب وإنّما ذكر هاهنا زوجين ، تنبيهاً على أنّ الشيء وإن لم يكن له ضِدّ ولا مِثْل ، فإنّه لا ينفك من تركيبِ جوهرٍ وعرض ، وذلك زوجان » (٣) .
وما ذكره الراغب هو عصارة ما في التفسير ، فترى أنّ تفسيرهم لا يخرج عن
__________________
(١) سورة الشعراء : الآية ٧ . وبهذا المضمون طه : الآية ٥٣ ، ولقمان : الآية ١٠ ، والشعراء : الآية ٧ ، ويس : الآية ٣٦ ، وق : الآية ٧ ، والرحمن : الآية ٥٣ .
(٢) سورة الذاريات : الآية ٤٩ .
(٣) مفردات الراغب ، مادة زوج ، صفحة ٢١٦ .