ولو فرضنا أنّ النبي الأعظم لم يكن إلّا نابغة من النوابغ الذين نهضوا لإصلاح أُمّتهم ، متستراً برداء النبوة ، لَما صحّ لَهُ أَنْ يُخْبر عن معاجز الأنبياء السالفين ، ثم يصف نفسه بالخاتمية ، ودينه بالأكملية ، وينكص عن الإتيان بمثل معاجزهم عند الطلب منه .
فالمحاسبة العقلية تحكم ببطلان مزعمة القساوسة ، بل تثبت أنّ النبي الأعظم قد أظهر معاجز عديدة لقومه عندما طلبوا منه ذلك ، كيف والقرآن يصفه بما لا يصف به أحداً من أنبيائه ، وهو يقتضي عقلاً أن يكون له أفضل ما أُوتي سائر الأنبياء .
* * *
إنّ القرآن يخبر بصراحة عن وقوع معاجز على يَدَي الرسول الأمين ، وفيما يلي نذكر الآيات القرآنية الواردة في هذا المجال .
قال سبحانه : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ ، مُّسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ) (١) .
أطبق أكثر المفسّرين على أنّ المشركين اجتمعوا إلى رسول الله ، فقالوا : إنْ كُنْتَ صادِقاً فَشُقَّ لَنا القَمَرَ فَلْقَتَيْن فقال لهم رسول الله : إِن فَعَلْتُ تُؤْمنونَ ؟ . قالوا : نَعَمْ . وكان ليلة بدر ، فسأَل رسول الله رَبّه أن يعطيه ما قالوا ، فانشق القمر فَلْقَتَيْن ، ورسول الله ينادي : « يا فلان ، يا فلان ، إشهدوا » (٢) .
__________________
(١) سورة القمر : الآية ١ ـ ٤ .
(٢) مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ١٨٦ . تفسير الرازي ، ج ٧ ، ص ٧٤٨ ، ط مصر في ثمانية أجزاء ، الكشاف ، ج ٣ ، ص ١٨١ .