ومجموع ما ذكرناه يدلنا على أن مهمة هداية الغرائز والفطريات ، التي تصنع من الإِنسان موجوداً عارفاً بالنُّظُم ، مؤمناً بالمناهج ، مجرياً لها في ليلة ونهاره ، وسرّه وإعلانه ، لا تتم إِلا بيد رسل مبعوثين من جانب خالق البشر ، بمناهج كاملة أنزلها إليهم ، وحفّها بدوافع الطاعة من المغريات بالثواب والمحذّرات من العقاب .
قال الشيخ الرئيس في بيان ما يلزم أن تشتمل عليه الأفعال التي يسنها النبي للبشر ، أفراده ومجتمعاته حتى تأخذ لنفسها طريقاً إلى التطبيق ومسلكاً إلى البقاء :
« ويجب أن تكون هذه الأفعال مقرونة بما يذكّر الله تعالى والمعاد لا محالة ، وإلا فلا فائدة فيها .
والتذكير لا يكون إلا بالفاظ تقال أو نيات تنوى في الخيال ، وأَنْ يقال لهم : إن هذه الأفعال يتقرب بها إلى الله ويستوجب بها الخير الكريم » . . . . إلى ان قال : « وبالجملة يجب أَنْ يكون فيها منبّهات » (١) .
إنّ الإمام أمير المؤمنين علياً عليه السلام يصوّر الإنسان موجوداً يجمع في ذاته دفائن العقول وأنوار العرفان .
غير أنّ إثارة تلك المعارف الكامنة ، وإبراز تلك الأسرار الدفينة ، يحتاج إلى إنسان كامل يقوم بتلك المهمة وهو النبي .
فدور الأنبياء دور التذكير والتنبيه ، لا دور التعليم والتأسيس ، لأن كل ما يلقيه الأنبياء من أُصول ومعارف مختمر في وجود الإِنسان بعلم فطري وقضاءٍ خلقي ، لكنه لا يلتفت إليها إلا بفضل من يوجّهه .
__________________
(١) « النجاة » في الحكمة الإلهية ، للشيخ الرئيس ، ص ٣٠٦ ، الطبعة الثانية ١٣٥٧ هـ ـ ١٩٣٨ م .