العذاب على نصارى نجران ـ وإن لم تتحقق بسبب انصرافهم عن المباهلة ، إلّا أنّ ذهاب الرسول إلى المباهلة واستعداده لذلك من جانب ، وانسحاب نصارى نجران من خوض معركة التباهل من جانب آخر ، يكشفان عن أنّ حلول العذاب ـ بدعاء الرسول ـ كان حتمياً لو تباهلوا ، فقد أدركوا الخطر وأحسُّوا بعواقب الموقف ، فتنازلوا وتصالحوا .
إنّ القرآن الكريم يصرّح بأنّ النبي كان كلما أتى قومه بآية ، طالبوه بآية أخرى ، وكانوا يصرّون على أن تكون مثل معاجز السابقين ، وهذا يدلّ على أنّ الرسول أظهر معاجز غير القرآن حتى جاء الطلب منهم بعد الطلب .
قال سبحانه : ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّـهِ ) (١) وليس المراد من ( آيَةٌ ) نفس القرآن ، ولا الآية القرآنية ، لوجهين :
١ ـ أنّها جاءت بصورة النكرة ، وهذا يكشف عن نوع خاص من الآيات .
٢ ـ لو كان المقصود هو القرآن أو الآية القرآنية ، كان المناسب إلقاء الكلام بنحو آخر بأن يقول بدل المجيء ، « النزول » ، فيقول : « إذا نَزَلت عليهم آية » . وعلى هذا فلفظ « آية » ، فيها ، نظيرها في قوله سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ) (٢) .
وفي قوله سبحانه حاكياً عن المسيح عليه السلام : ( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ، أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّـهِ . . . ) الآية (٣) .
__________________
(١) سورة الأنعام : الآية ١٢٤ .
(٢) سورة يونس : الآيتان ٩٦ و ٩٧ .
(٣) سورة آل عمران : الآية ٤٩ .