لا يتكلم من نفسه ، بل كل ما يَسْمَع ، يتكلّم به ، ويخبركم بامور آتية ) (١) .
وجه الإستدلال يتوقف على بيان نكتة ، وهي أنّ المسيح عليه السلام ، كان يتكلم بالعبرية ، وكان يعظ تلاميذه بهذا اللسان ، لأنّه وُلِدَ وشَبّ بين ظهرانيهم ، وأُمُّه أيضاً كانت عبرانية ، هذا من جانب .
ومن جانب آخر ، إنّ المُؤَرِّخين أَجْمعوا على أنّ الأناجيل الثلاثة غير متى ، كتبت من أوّل يومها باللغة اليونانية ، وأمّا إنجيل متى فكان عبرياً من أوّل إنشائه .
وعلى هذا ، فالمسيحُ بَشَّر بما بَشَّر باللغة العبرية أولاً ، وإنّما نقله إلى اليونانية ، كاتب الإنجيل الرابع « يوحنا » وكان عليه التحفّظ على لفظ المسيح في مورد المُبَشَّرِ به ، لأنّ القاعدة الصحيحة ، عدم تغيير الأعلام ، والإتيان بنصِّها الأَصلي ، لا ترجمة معناها . ولكن « يوحنا » لم يراع هذا الأصل ، وترجمه إلى اليونانية ، فضاع لفظه الأصلي الذي تكلّم به المسيح ، وفي غِبّ ذلك حصل الإختلاف في المراد منه .
وأمّا اللفظ اليوناني الذي وضعه الكاتب « يوحنا » مكان اللفظ العبري ، فهو مردد بين كونه « پاراقْلِيطوس » (٢) الذي هو بمعنى المُعَزِّي والمُسَلِّي والمُعين والوكيل ، أو « پِرِيقْلِيطوس » (٣) الذي هو بمعنى المحمود ، الذي يرادف أحمد . ولأجل تقارب الكلمتين في الكتابة والتلفظ والسماع ، حصل التردد في المُبَشِّر به . ومُفَسِّروا ومترجموا إنجيل يوحنا ، يصرّون على الأول ، ولأجل ذلك ترجموه إلى العربية بـ « المعزّي » ، وإلى اللغات الأُخرى بما يعادله ويرادفه ، وادّعوا أنّ المراد منه هو روح القدس ، وأنّه نزل على الحواريين في اليوم الخمسين بعد فقدان المسيح ، كما ذُكر تفصيله في كتاب أعمال الرسل (٤) . وزعموا أنّهم بذلك خلعوا
__________________
(١) إنجيل يوحنا ، الأصحاح السادس عشر : الجملة ١٣ ، ط دار الكتاب المقدس .
(٢) في اليونانية هكذا : IIAPAKAHTOE . وبالأفرنجى هكذا : Paracletos .
(٣) في اليونانية هكذا : IIEPIKAHOTE . وبالأفرنجية هكذا : Pericletos .
(٤) أعمال الرسل ، الأصحاح الثاني : الجملات ١ ـ ٤ ،
يقول : ( ولما حضر يوم
الخمسين كان ، =