قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أنا أحقّ بذلك منك » (١) .
هذه نبذة يسيرة من سيرته الحميدة المعترف بها عند الصديق والعدو ، ولو أردنا الإسهاب لاحتجنا إلى تأليف رسالة حافلة ، في أدبه وخلقه وسيرته ، ولأجل ذلك إعتمد قيصر في استنطاقه أبا سفيان ، على تلك السيرة ، وجعلها جزءً من القرائن التي استفاد منها كونه صادقاً في دعوته (٢) .
* * *
كان العرب الجاهليون يضمّون إلى صفاتهم الحسنة من سخاء في الطبع وإكرام للضيف ، وصيانة للأمانة وإلتزام بالعهود ، صفات ذميمة وأخلاق رذيلة ، وعادات قبيحة ، وعقائد خرافية .
فالصورة العامة التي يمكن رسمها عنه ، أنّه كان مجتمعاً غارقاً إلى آذانه في عبادة الحجارة والأوثان ، والفساد الذريع في الأخلاق ، يظهر في شيوع القمار والزنا ، ووأَد البنات ، وأكل الميتة ، وشرب الدم ، والغارات الثأريّة ، وتغيير الأشهر الحرم ، وغير ذلك من التقاليد والأعمال السيئة التي نقلها المؤرخون ، ولا حاجة للتفصيل (٣) .
هذه هي عقائدهم وتقاليدهم ، وعاداتهم ، والنبي الأكرم وليد هذه البيئة المتدهورة ، نشأ وترعرع فيها ، وقضى أربعين عاماً بينهم ، فإذا به قد بعث بأُصول وآداب ومعارف ، تضاد ما كان سائداً في تلك البيئة . فلو كان هو في تعاليمه ، مستمداً من بيئته ، لكان قد تأثّر بها ولو في بعض هذه الصفات والتقاليد .
إنّه ليس من الغريب أن تنبت الأرض الخصبة ، الأشجار النضرة والأزاهير
__________________
(١) المغازي للواقدي ، ( م ٢٠٧ ) ، ج ١ ، ص ١٩٥ ، ط أكسفورد .
(٢) تاريخ الطبري ، ج ٢ ، ص ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، حوادث السنة السادسة للهجرة .
(٣) لاحظ للوقوف على تاريخ العرب الجاهليين ، « بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب » للشيخ الآلوسى ( م ١٢٧٠ ) . وتاريخ العرب للكاتب د . علي جواد ، في عشرة أجزاء . وغير ذلك .