والرياحين ، وإنّما العجب أن يَنْبُت كل أولئك من أرض مجدبة قاحلة ، يلقي عليها شبح الموت ظلاله السوداء ، وهكذا كانت شريعة محمد صلى الله عليه وآله في البيئة التي ظهرت فيها .
* * *
جاء الرسول الأعظم بمفاهيم راقية في جميع شؤون الحياة البشرية وشجونها .
فدعا إلى التوحيد ، ونبذ الوثنية ، وتنزيهه سبحانه عن كل نقص وعيب ، فَعَرّف الإله الخالق سبحانه ، بقوله : ( هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ، سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (١) .
وأين هذا من مفاهيم الشرك والوثنية التي كانت سائدة في ذلك الزمن .
وجاء بمفاهيم سامية حول الحياة الأُخروية ، فَقَرَّرَ أنّ الموت ليس بمعنى ختم الحياة ، وإنّما هو نافذة للحياة الأبدية ، التي يحياها الإنسان بسعادة أو تعاسة ، بحسب أعماله الحسنة أو السيئة ، وأين هو من قولهم : ( مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ) (٢) .
وفي حقل الأخلاق والتعاون والتآلف الإجتماعي ، زرع في محيط البغضاء والشحناء ، بذور المحبة والمواساة ، وجعل أبناء المجتمع الواحد أُخوة في الدين ، متعاضدين ، متعاونين ، كأنّهم جسد واحد ، فقال : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (٣) .
__________________
(١) سورة الحشر : الآيات ٢٢ ـ ٢٤ .
(٢) سورة الجاثية : الآية ٢٤ .
(٣) سورة الحجرات : الآية ١٠ .