ومن ذلك ، قوله تعالى : ( لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ) (١) .
وقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا ) (٢) .
ولو أردنا أنْ نبين كافة التعاليم القرآنية في حقول المعارف ، والسياسة ، والإجتماع ، والأخلاق ، والإقتصاد ، لطال بنا الكلام ، وفيما ذكرنا غنىً وكفاية ، والكلُّ يشهد على عظمة المفاهيم التي جاء بها الإسلام ، وموافقتها لمقتضى حكم العقل الصريح ، المتحرر عن قيود الشهوة والخيال ، وهو من أجلى القرائن على نبوّة من جاء بها .
* * *
لا شكّ أنّ النَّبي الأعظم نجح في دعوته ، وبلغ أهدافه التي قدّرها الله له ، ولكنه لم يدرك تلك الغاية بالأساليب الملتوية ، ولم يستعن في تحقيقها بكل وسيلة سائغةً كانت أو محرمةً ، ولم يسلك سبيل الخداع والمكر والحيلة باعتماد مبدأ : « الغاية تبرر الوسيلة » ، بل إنّ منطق النبي الأكرم ومسلكه ـ وكذا جميع الأنبياء ـ هو شقّ الطريق على نهج الصدق والعدل ، وهذه حالته التي لم تتفاوت في سَرّاء أو ضَرّاء ، أو شَدّة أو رَخاء ، . وكان في كل ذلك ممتثلاً قولَه تعالى : ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ) (٣) ، وقولَه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ، وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ، اعْدِلُوا ، هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ، وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (٤) .
وهذه التعاليم التي اقتدى بها النبي الأكرم في نشر دعوته ، تدلّ على أنّه
__________________
(١) سورة النساء : الآية ٢٩ .
(٢) سورة النساء : الآية ٥٨ .
(٣) سورة المائدة : الآية ٢ .
(٤) سورة المائدة : الآية ٨ .