شبهةٌ ـ ربما يتمسّك بعض القساوسة لتحديد دعوته ، بما في الكتاب العزيز من قوله تعالى : ( لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ) (١) .
غير أنّ الجواب واضح ، أمّا نقضاً ، فإنّ في نفس هذه السورة التي ورد فيها قوله : ( لِتُنذِرَ قَوْمًا ) ، ما يدلّ بصراحة على عموم دعوته ، وهو قوله تعالى : ( لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (٢) .
وأما حلاً فإنّ طبيعة إبلاغ الدعوة ربما تقتضي توجيه الكلام إلى قسم خاص ، وإنّ كانت الدعوة عالمية ، والرسول في بدء دعوته ، كان يمارس هداية قومه أوّلاً ، ثم من يليهم في منطقة الحجاز ، ثم من يليهم ، ولأجل ذلك خصّ الخطاب بقومه :
والشاهد أنّه يقول في آية أخرى : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ ، وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ) (٣) . فيخص الإنذار بالوحي بالمخاطبين ، بينما يعمّ الإنذار به كلّ الناس في قوله : ( أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ ) (٤) .
شبهة ثانية ـ وربما يتمسك بتخصيص الإنذار بأُمّ القُرى وَمَنْ حَوْلَها في قوله سبحانه : ( وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ) (٥) ، وأُمُّ القُرى إمّا عَلَمَ مِنْ أَعلام مَكَّةَ ، أَو كُلِّي أُطْلِقَ عليها ، فَتَخُصُّ الآيةُ دعوتَه بإطار أُمّ القُرى وَمَنْ حَوْلَها .
والجواب أما نقضاً : فإنّ في نفس السورة التي وردت فيها تلك الآية ما يدلّ
__________________
(١) سورة يس : الآية ٦ . ونظيره ، القصص : الآية ٤٦ ، سورة السجدة : الآية ٣ ، سورة مريم : الآية ٩٧ .
(٢) سورة يس : الآية ٧٠ .
(٣) سورة الأنبياء : الآية ٤٥ .
(٤) سورة يونس : الآية ٢ .
(٥) سورة الأنعام : الآية ٩٢ ، ونظيره سورة الشورى : الآية ٧ .