والجواب : إنّ الإستدلال نَجَمَ من الجمود على نفس الآية ، والغفلة عما ورد حولها من الآيات . ومثل هذه الآية لا يصح تفسيره إلّا على نمط التفسير الموضوعي ، واستنطاق الآية بأُختها ، وعرض البعض على البعض حتى يُهتدى إلى معالمها . وسيوافيك أنّ الآية ـ بقرينة الآيات التي تتلوها ـ بصدد تفنيد المزاعم الباطلة لليهود والنصارى ، وليست بصدد إمضاء الشرائع السالفة ، بعد ظهور النبي الأكرم ، وإليك البيان .
كان اليهود والنصارى يتبنون فكرة الشعب المختار ، فكل من الطائفتين تَدّعي أنّها أسْمَى بني البشر . وقد نقل القرآن الكريم هذه الفكرة السخيفة عن كلتا الطائفتين بقوله : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّـهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ، بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ . . ) (١) .
فقوله : ( فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ) ، تفنيدٌ لهذا الزَّعم ، وَيدُلُّ على أنّهم وغيرهم عند الله سواسية ، فهو سبحانه يثيب المطيع ، ويعذب العاصي .
وقد بلغت أنانية اليهود واستعلاؤهم الزائف حداً ، تفوهوا بما يحكيه سبحانه عنهم بقوله : ( وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ) (٢) .
والقرآن يُفَنَّد هذا الزعم ، بشكل الإستفهام الإنكاري ، ويقول : ( قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّـهِ عَهْدًا ، فَلَن يُخْلِفَ اللَّـهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (٣) .
فهكذا ، نستكشف من خلال هذه المزاعم وردودها أنّ اليهود كانوا ـ ولا يزالون ـ يَعُدُّونَ أَنْفُسَهُم صفوة البشرية ، ونخبة الشعوب . وكانوا يحاولون بِمثل
__________________
(١) سورة المائدة : الآية ١٨ .
(٢) سورة البقرة : الآية ٨٠ .
(٣) سورة البقرة : الآية ٨٠ .