هذه المزاعم ، فَرْضَ كَيانهم على العالَم ، كأرفع نوعٍ بشريٍّ إِنتخَبَهُ الله من بين سائر البشر ، حتى كأنّهم أبناءُ الله المُدَلَّلون .
كانت الطائفتان ( اليهود والنصارى ) ، تزعمان أنّ الإنتساب إسماً إلى شريعة موسى أو المسيح ، وسيلة النجاة . كما كان اليهود بالخصوص يزعمون أنّ الإنتساب إلى « إسرائيل » ، ينقذ من عذاب الله سبحانه ؛ ولأجل ذلك قالوا : ( لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ) (١) .
ومعنى هذا القول ، أنّ بإمكان الإنتساب إلى « إسرائيل » ، أو كون الإنسان يهوديّاً أو نصرانياً بالإسم ، أن يجعل الإنسان سعيداً ، مالكاً لمفاتيح الجنة . ويردّ القرآن عليهم ، بأنّ الوسيلةَ الوحيدة لامتلاك الجنة ، ليس هو « الإنتساب » ، ولا التجنُّن « بالتسمية » ، بل هو الإيمان الصادق والعمل الصالح ، يقول تعالى : ( تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ، قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ، فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢) .
فقوله : ( بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ ) ، يعني الإيمان الخالص ، والتسليم الصادق لله .
وقوله : ( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) ، يعني العمل بالشريعة التي يؤمن الفرد بها .
وكلتا الجملتين تدلّان على أنّ السبيل الوحيد إلى النجاة في يوم القيامة هو الإيمان والعمل ، لا إسم اليهودية أو النصرانية ، ولا الإنتساب إلى بيت النبوّة ، فليست المسألة مسألة أسماء ، ولا مسألة انتساب ، وإنّما هي مسألة إيمان صادق ، وعمل صالح .
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١١١ .
(٢) سورة البقرة : الآية ١١١ و ١١٢ .