لقد كان لهاتين الطائفتين ادعاء ثالث ، هو أنّ الهداية الحقيقة ، في اعتناق اليهودية أو النصرانية ، كما يحكيه عنهم القرآن بقوله : ( وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ) (١) .
والقرآن يردّ عليهم هذا الزعم الواهي بقوله : ( بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (٢) . مشيراً إلى أنّ الهداية الحقيقية ، هي في الأخذ بملة إبراهيم ، واعتناق مذهبه في التوحيد الخالص من كل شائبة . فإذا عَمَّتْهما الهداية ، فإنّما هو لأخذهم بالحنيفية الإبراهيمية ، لا لاعتناق اليهودية والمسيحية ، فلا أصالة لهما ، إلّا إذا كانتا مشتملين على جوهر التوحيد الإبراهيمي وحنيفيّته .
وقد بلغت جسارة الطائفتين إلى حدّ أنّهم حاولوا إضفاء طابع اليهودية والمسيحية على إبراهيم ، ليحصلوا بذلك على دعم جديد لمعتقداتهما ، ويضفوا الشرعية على مسلكيهما . ولكن القرآن عاد إلى تفنيد هذه المزعمة الثالثة ، كما فند المتقدمتين ، بقوله : ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا ، وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (٣) .
فهذه المقدمات ، تثبت أنّ اليهود والنّصارى كانوا يتبنون هذه الأفكار الواهية الثلاثة :
١ ـ الرفعة على البشر أجمعين .
٢ ـ كفاية مجرد الإنتساب إلى مذهبهما في النجاة .
٣ ـ إختصاص سبيل الهداية بالطائفتين .
فجاء القرآن يُفَنِّد كلَّ واحدة من هذه المزاعم ، مستقلّاً ، بعد نقلها ، بالآيات التي عرفت . ثم يفندها جميعها بصورة إجمالية ، بالآية التي وقعت ذريعةً
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٣٥ .
(٢) الآية السابقة نفسها .
(٣) سورة آل عمران : الآية ٦٧ .