إلى يوم القيامة . فمن بلغه القرآن ، فكأنّما رأى محمداً صلى الله عليه وآله ، وسمع منه ، وحيثما يأتيه القرآن ، فهو داع له ونذير .
وقوله : ( وَمَن بَلَغَ ) ، معطوف على الضمير المنصوب المتصل في قوله : ( لِأُنذِرَكُم ) ، لا على الفاعل المستتر ، أعني ضمير المتكلم . فمن بلغه القرآن ، منذَر ( بالفتح ) لا منذِر .
* * *
قال تعالى : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) (١) .
هذه الآية كما تدلّ على عالمية رسالته ، دالّة على خاتميته إلى يوم القيامة . واختلف أهل اللغة في مفاد العالمين (٢) ، ولكن المراد به في المقام كلّ الناس ، ونظيره قوله تعالى ـ حاكياً عن لسان لوط عليه السلام ـ : ( قَالَ إِنَّ هَـٰؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَلَا تُخْزُونِ * قَالُوا : أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (٣) .
أي قالوا في جوابه : أوَ لَيْس كنا قد نهيناك أنْ تستضيف أحداً من الناس . وبذلك يتضح عدم صحة ما يُروى في تفسير العالمين بأنّ المراد الجن والإنس ، أو الجنّ والملائكة ، إذ لا معنى لنهي قوم لوط ، نبيَّهم عن استضياف هؤلاء .
__________________
(١) سورة الفرقان : الآية ١ .
(٢) وقد اختلف أهل اللغة في معنى « العالَم » ، الذي يجمع على عالمين ، على أقوال :
١ ـ إنّه اسم للفَلَك وما يحويه من الجواهر والأعراض ، وهو في الأصل إسم لما يعلم به ، كالطابع ، والخاتم ، لما يطبع ويختم به . وأما جمعه ، فلأنّ كلَّ نوعٍ من هذه قد يسمى عالَماً : عالَم الإنسان ، وعالَم الماء ، وعالَم النَّار . . .
٢ ـ إنّه إسم لأصناف الخلائق من المَلَك والجِنّ والإنس .
٣ ـ إنّه الإنسان ، والجمع باعتبار كون كلّ واحدٍ عالَماً . ( مفردات الراغب ، صفحة ٣٤٩ ) .
(٣) سورة الحجر : الآيات ٦٨ ـ ٧٠ .