ونظيره قوله سبحانه ـ حكاية عن لوط عليه السلام في الردّ على قومه ـ : ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ) (١) ، فالمرادُ منه هو الناس ، بلا ريب ، لا الجن ولا الملائكة .
وما ذكرنا من المعنى هو المروي عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : « عنى به الناس ، وجعل كلَّ واحدٍ عالماً » (٢) .
وعلى كل تقدير ، فسواء أكان المراد من العالَمين في الآيات الأُخر غير هذا ، أو كان هذا ، فالمراد من قوله : ( لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) ، عمومُ البشر ، أو مطلق من يعقل . فالآية صريحة في أنّ إنذاره لا يختص بناس دون ناس ، أو زمان دون زمان ، فهو على إطلاقه ، يعطي كونه نذيراً للأُمم البشرية ، بلا قيدٍ وحدّ .
وربما يقال إنّ « العالمين » يطلق ويراد منه الجمّ الغفير من الناس ، كما في قوله سبحانه : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (٣) ويقال : « رأيت عالماً من الناس » ، يراد به الكثرة . وعند ذاك لا تكون الآية صريحة في عموم رسالته لجميع البشر إلى يوم القيامة .
والجواب : إنّ المتبادر من اللفظ هو عموم الخلائق ، كما في قوله سبحانه : ( قَالَ فِرْعَوْنُ : وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ : رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ) (٤) . واستعماله في غير ذلك يحتاج إلى قرينة ، ولأجل ذلك يحمل على المعنى الحقيقي في الآيات التالية :
( وَمَا اللَّـهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ ) (٥) .
( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ) (٦) .
__________________
(١) سورة الشعراء : الآية ١٦٥ .
(٢) مفردات الراغب ، ص ٣٤٩ .
(٣) سورة البقرة : الآية ٤٧ .
(٤) سورة الشعراء : الآيتان ٢٣ و ٢٤ .
(٥) سورة آل عمران : الآية ١٠٨ .
(٦) سورة آل عمران : الآية ٩٦ .