( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ) (١) .
( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ) (٢) .
وأما ما ذُكر من الآية ، فليس ظاهراً في كون المراد منه الجمّ الغفير ، بل كلّ الناس ، غاية الأمر أنّها خُصِّصت بأَهلِ عالمي زمانهم ، مثل قوله سبحانه : ( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) (٣) .
وعلى أي تقدير فسواء فُسّرت الآية ، بالجمّ الكثير من الناس ، أو خصِّصت بأهل عالمي زمانهم ، فإنّما هو لقرينة صارفة عن ظاهرها ، حيث إنّ القرآن دلّ على أنّ الأُمّة الإسلامية أفضل الأمم ، مثل قوله سبحانه : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) (٤) . ودلّت الأحاديث على أنّ إبنة النبيّ الأكرم ، فاطمة عليها السلام ، مثل مريم أو أفضل منها (٥) . فهذه وتلك صارتا قرينتين على صرف الآيتين (٦) عن ظاهريهما ، وأمّا غيرهما فيُحْمل على المعنى الحقيقي ، أي الناس كلّهم إلى يوم القيامة .
* * *
__________________
(١) سورة الشعراء : الآية ١٦٥ .
(٢) سورة الأعراف : الآية ٨٠ .
(٣) سورة آل عمران : الآية ٤٢ .
(٤) سورة آل عمران : الآية ١١٠ .
(٥) أخرج البُخاري ومسلم والتِرْمذي في صحاحهم عن عائشة قالت : إنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله قال لفاطمة في أُخريات أيامه : « ألا ترضين أن تكوني سَيِّدةَ نساءِ المُؤْمِنينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِساءِ هذه الأُمَّة » ، ( لاحظ التاج الجامع للأصول ، ج ٣ ، ص ٣١٤ ) .
وأخرج ابن سعد عن مسروق عن عائشة في حديث أنّ النبي صلى الله عليه وآله أَسَرّ إلى فاطمة عند مرضه وقال : « ما ترضَيْن أن تكوني سيدة نساء هذه الأُمة ، أو نساءِ العالمين » . ( الطبقات الكبرى ، ج ٨ ، ص ٢٧ . وحلية الأولياء ، ج ٢ ، ص ٤٠ ) ، ولولا هذه الأحاديث لقلنا بتفضيل مريم على نساء العالمين إلى يوم القيامة ، كما أنّه لولا صراحة الآية في تفضيل هذه الأُمّة لقلنا بتفضيل بني إسرائيل على الناس كلّهم إلى يوم القيامة .
(٦) سورة البقرة : الآية ٤٧ وسورة آل عمران : الآية ٤٢ .