قال سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (١) .
المتبادر من الآية كون « كافّة » ، حالاً من النّاس ، قُدِّمت على ذيها ، وتقدير الآية : وما أرسلناك إلّا للناس كافّة ، بشيراً ونذيراً ، وقد استعمل « كافّة » بمعنى « عامّة » ، في القرآن الكريم كثيراً ، قال سبحانه : ( وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ) (٢) . والآية دليل على كون رسالته عالمية ، كما أنّها دليل على أنّه كان مبعوثاً إلى كافة الناس إلى يوم القيامة .
وأمّا جعل لفظ ( كَافَّةً ) حالاً من الضمير المتصل في قوله : ( أَرْسَلْنَاكَ ) ، ليعود معنى الآية : وما أرسلناك إلّا أن تَكُفَّهُم وتَرْدَعَهُم ، فَبعيد عن الأذهان ، أضف إلى ذلك أنّ قوله في ذيل الآية : ( بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) ، كافٍ في هذا المعنى ، لأنّ التبشير والإنذار يتكفلان الكفّ والردع عن المحرمات ، وقد فهم الصحابة من الآية ما ذكرناه (٣) .
ما ذكرنا من الآيات كانت تصريحات بالخاتمية ، وهناك آيات تشير إليها إذا أُمعن النظر في مضامينها ، وإليك نقل بعضها .
١ ـ قال سبحانه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ، فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ
__________________
(١) سورة سبأ : الآية ٢٨ .
(٢) سورة التوبة : الآية ٣٦ . ولاحظ أيضاً البقرة : ٢٠٨ ، والتوبة : ١٢٢ .
(٣) روى ابن سعد في طبقاته عن خالد بن معدان ، قال : قال رسول الله (ص) : « بُعثت إلى الناس كافّة ، فإن لم يستجيبوا لي فإلى العرب . . » وفي نقل آخر عن أبي هريرة : « أُرسلت إلى الناس كافة ، وبي خُتم النبيون » . ( الطبقات الكبرى ، ج ١ ، ص ١٧٢ ) .