المباديء والمقدّمات من جانبه سبحانه ، لصار فعله فارغاً عن الغاية ، وناقَضَ حكمته التي تستلزم التحرز عن العبث . وذلك كبيان تكاليف الإنسان ، وإعطائه القدرة على امتثالها .
ومن هذا الباب بعث الرسل لتبيين طريق السعادة ، وتيسير سلوكها . وقد عرفت في الأدلّة السابقة ، أن الإنسان أقصر من أن ينال المعارف الحقّة ، أو يهتدي إلى طريق السعادة في الحياة ، بالإعتماد على عقله ، والإستغناء عن التعليم السماوي . ووجوب (١) اللطف بهذا المعنى ، ليس موضع مناقشة لدى القائلين بحكمته سبحانه ، وتنزيهه عن الفعل العبثي الذي اتّفق عليه العقل والنقل . (٢)
اللطف المحصِل في مصطلح المتكلمين
ما ذكرناه من المعنى للطف المحصل ، مصطلح خاص لنا وليس معروفاً بين المتكلّمين والمعنى المعروف لديهم هو : قيامه سبحانه بعمل تترتب عليه الطاعة . قال القاضي عبد الجبار : انّ اللطف هو كلّ ما يختار عنده المرء الواجبَ ، ويتجنب عن القبيح . (٣)
المراد منه ما يكون موجباً لقرب المكلف إلى فعل الطاعة والبعد عن فعل المعصية ، من دون أن يكون له حظ في التمكين ولا يبلغ الإلجاء وذلك كالوعد والوعيد والترغيب والترهيب التي تستتبع رغبة العبد إلى العمل وبعده عن المعصية . (٤)
قولهم : « ولاحظ في التمكين » يخرج بعث الرسل وبيان التكليف ، واعطاء
__________________
(١) سيوافيك معنى الوجوب على الله سبحانه .
(٢) لاحظ سورة الذاريات : الآية ٥٦ ، وسورة المؤمنين : الآية ١١٥ .
(٣) الأُصول الخمسة / ٥١٩ .
(٤) كشف المراد / ٢٠١ ، ط صيدا .