فإذا كانت الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد ، وكانت الغاية المتوخاة من تشريعها هي الوصول إلى المصالح والتحرز عن المفاسد ، وبما أنّ المصالح والمفاسد ليست على وزانٍ واحد ، بل لها درجات ومراتب ، عَقَدَ الفقهاءُ باباً لتزاحم الأحكام وتصادمها ، فيقدمون الأهمّ على المهم ، والأكثر مصلحة على الأقل منه ، والأعظم مفسدة على الأحقر منه . وقد أعان فتح هذا الباب على حلّ كثيرٍ من المشاكل الإجتماعية ، التي ربما يتوهّم الجاهل أنّها تعرقل خطى المسلمين في معترك الحياة .
ومن أمثلته : إنّ تشريح بدن الإنسان في المختبرات ، من الأُمور الضرورية الحيوية التي يتوقف عليها نظام الطب اليوم . غير أنّ هذه المصلحة تصادمها حرمة التمثيل بالميِّت ، مسلماً كان أو كافراً ، ولكن عناية الشارع بالصحّة العامة تجعل إحراز هذه المصلحة مقدّمة على المصلحة الأُخرى ، وهي حرمة الميت ، ولكن يقدم في هذا المجال بدن الكافر على المسلم ، والمسلم غير المعروف على المعروف ، وهكذا . وفي ضوء هذا المثال نقدر على طرح أمثلة كثيرة .
إنّ الكتاب والسُّنّة مشتملان على أصول وقواعد ، تفي باستنباط آلاف من الفروع التي يحتاج إليها المجتمع البشري على امتداد القرون والأجيال .
وهذه الثروة العلمية التي اختصّت بها الأُمّة الإسلامية من بين سائر الأُمم ، أغنت المسلمين عن التمسّك بكل تشريع سواه .
وتتجلى تلك الحقيقة إذا وقفنا على مرمى حديث الثقلين ، وأنّ العِتْرة الطاهرة ، قرناء القرآن وأعداله ، لا يفترقان أبداً ، ففي ضوء الأحاديث الواردة عن الأئمة الإثني عشر من أهل بيت الرسول الأعظم ، قَدِرَ التشريع الإسلامي ـ على مذهب الإمامية ـ على استنباط أحكام الموضوعات المستجدة الكثيرة ، بوضوح وانطلاق ، ولم يُرَ هناك قُصور فيه .
نعم ، إنّ من اقتصر في مجال السنّة
على خصوص ما روته الصحابة عن