النبي الأكرم ، لم يَرَ بدّاً من اللجوء إلى مقاييس وقواعد ظنية ما أنزل الله بها من سلطان ، كالقول بالقياس والإستحسان والإستقراء ، وغيرها من الظَّنِّيات التي نَهَى الشارع المقدس عن التعبد بها في مجال العبودية ، بقوله : ( قُلْ آللَّـهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّـهِ تَفْتَرُونَ ) ؟ (١)
هذا ، وإنّ الأحاديث الإسلامية في مجال الأحكام الفرعية ، الواردة عن طريق الصحابة ، المنتهية إلى النبي الأكرم ، لا تتجاوز خمسمائة حديث ، تَمُدّها أربعة آلاف (٢) .
ومن المعلوم أنّ هذا المقدار من الأحاديث لا يفي بحاجات المجتمع البشري إلى يوم القيامة ، وهذا يعرب عن أنّ الرسول لم يترك الأُمّة سدىً ، ولم يدفعهم إلى العمل بمقاييس ظنية لا دليل عليها ، وإنّما عالج هذه الناحية الحيوية بالأمر بالرجوع إلى عترته الطاهرة .
إنّ من المؤسف جداً ، رفض الروايات المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، الذين اعترف القريب والبعيد بطهارتهم ووثاقتهم وعُلُوّ شأنهم ، والأخذ بمقاييس ظنية ، وإدارة رحى التشريع بها .
« وَدَعَ عَنْكَ نَهَباً صيح في حجراتِهِ » .
المراد من الإجتهاد هو بذل الوسع في استنباط الأحكام الشرعية عن مصادرها المعيّنة ، وهو رمز خلود الدين وبقاء قوانينه ، لأنّه به تحفظ غضاضة الدين وطراوته ، ويصان عن الإندراس ، وبالتالي يستغني المسلمون عن موائد الأجانب .
أمّا لزوم فتح هذا الباب ، ولا سيما في العصر الحاضر فليس شيئاً يحتاج إلى
__________________
(١) سورة يونس : الآية ٥٩ .
(٢) لاحظ الوحي المحمدي ، لمحمد رشيد رضا ، الطبعة السادسة ، ص ٢١٢ .