أواسط القرن السابع ، وحرمت الأُمّة الإسلامية من هذه الموهبة العظيمة ، يقول المقريزي :
« استمرت ولاية القُضاة الأربعة ، من سنة ٦٦٥ ، حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب الإسلام ، غير هذه الأربعة وعودي من تمذهب بغيرها ، وأُنكر عليه ، ولم يُوَلَّ قاضٍ ، ولا قُبلت شهادة أَحد ، ما لم يكن مقلداً لأحد هذه المذاهب ، وأفتى فقهاؤهم في هذه الأمصار ، في طول هذه المدة ، بوجوب اتّباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها ، والعمل على هذا إلى اليوم » (١) .
ومن بوادر الخير أَنْ وَقَفَ غيرُ واحدٍ من أهل النظر من علماءِ أهل السنة ، وقفة موضوعية ، وأحسّوا بلزوم فتح هذا الباب بعد قفله قُرُوناً (٢) .
من الأسباب الباعثة على كون التشريع الإسلامي ، صالحاً لحلّ المشاكل ، أنّه منح للحاكم الإسلامي كافة الصلاحيات المؤدية إلى حقّ التصرّف المطلق في كل ما يراه ذا صلاحية للأُمّة ، ويتمتع بمثل ما يتمتع به النبي والإمام من النفوذ المطلق ، إلّا ما يعد من خصائصهما .
مثلاً : إذا رأى الحاكم أنّ المصلحة تقتضي فتح طريق أو شارع في أملاك الناس ، فَلَهُ أَنْ يُقَرِّرَ وينفِّذَ ما يحقّق هذه الغاية في ضوء العدل والإنصاف : فله أن يُجْبِرَ أصحابَ الأراضي التي يمرّ بها الطريق ، على بيع أراضيهم أو يشتريها بثمن مناسب .
أو إذا أراد رفع المعيشة العامة إلى مستوى خاص ، فله وضع الضريبة على صنف خاص من أبناء الشعب ، أو كلّهم لتأمين هذه الغاية .
__________________
(١) الخطَطُ المقريزية ، ج ٢ ، ص ٣٤٤ .
(٢) لاحظ تاريخ حصر الإجتهاد ، لشيخنا العلامة الطهراني ، ودائرة المعارف لفريد وجدي ، مادة « جهد » و « ذهب » . وغير ذلك ممّا أُلف في هذا المضمار .