قد دلّ العقل على أن الله تعالى حكيم ، والحكيم لا يتعبّد الخلق الّا بما تدل عليه عقولهم ، وقد دلّت الدلائل العقلية على أن للعالم صانعاً عالماً قادراً حكيماً ، وأنه أنعم على عباده نعماً توجب الشكر . فننظر في آيات خلقه بعقولنا ، ونشكره بآلائه علينا . وإذا عرفناه وشكرنا له ، إستوجبنا ثوابه . وإذا أنكرناه وكفرنا به ، إستوجبنا عقابه . فما بالنا نتّبع بشراً مثلنا ؟ ! . .
والجواب :
إن قسماً من هذا الدليل تكرار للدليل الأول . وأما ما اُفيد في ذيله من وقوف الأنسان على حسن الشكر وقبح الكفر ، فهو وإن كان صحيحاً ، غير أنه يلاحظ عليه أمران :
الاول : إن كثيراً من الناس لا يعرفون كيفية الشكر . فربما يتصورون أن عبادة المقرَّبين نوع شكر لله سبحانه . فلأجل ذلك ترى عبدة الاصنام والاوثان يعتقدون أن عبادتهم للمخلوق شيئاً موجباً للتقرّب (١) .
الثاني ـ إنَّ تخصيص برامج الأنبياء بالأمر بالشكر والنهي عن كفران النعمة ، غفلة عن اهدافهم السامية . فإنهم جاؤوا لإسعاد البشر في حياتهم الفردية والاجتماعية ، ولا تختص رسالتهم بالأوراد والأذكار الجافة ، كتلك التي يرددها أصحاب بعض الديانات أيام السبت والأحد في البيع والكنائس . وإنك لتقف على عظيم أهداف رسالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله إذا وقفت على كلمته المأثورة :
« إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة » (٢) .
__________________
(١) قال تعالى حكاية عن المشركين : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ، مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَ ) ( سورة الزمر : الآية ٣ )
(٢) تاريخ الطبري ج ٢ ، ص ٦٣ قاله النبي عند دعوة اقاربه إلى الاسلام ، طبعة بيروت .