قد دلّ العقل على أن للعالم صانعاً حكيماً ، والحكيم لا يتعبّد الخلق بما يَقْبُح في عقولهم . وقد وردت أصحاب الشرائع بمستقبحات من حيث العقول ، كالتوجه إلى بيت مخصوص في العبادة ، والطواف حوله ، والسعي ، ورمي الجمار ، والإِحرام ، والتلبية ، وتقبيل الحجر الأصمّ . وكذلك ذبح الحيوان ، وتحريم ما يكون غذاءً للإنسان ، وتحليل ما يُنقص من بنيته .
والجواب :
ان هذا الدليل مبني على الجهل بمصالح الأحكام ومفاسدها . ولذلك زعم هذا المنكر أن ما جاء في شريعة الإسلام من حج بيت الله الحرام بآدابه الكثيرة ، أمر على خلاف العقل . ولكن الدارس لفلسفة الحج ، يقف على عظيم المصالح والمنافع التي يتضمنها ، والمجال لا يسمح باستقصائها ، إلّا انا نشير بايجاز إلى بعضها .
فالتوجه الى البيت ، رمز الوحدة بين المسلمين في جميع أقطار المعمورة ، ولو تعددت وجهاتهم في أداء مراسمهم العبادية ، لسادت الفوضى فيهم ووقع الإِنشقاق بينهم في القطر الواحد فضلاً عن سائر الأقطار .
والسعي بين الصفا والمروة تجسيد لعمل تلك المرأة البارّة التي سعت بين الجبلين سبع مرات طلباً للماء لطفلها الظمآن ، حتى حصّلته . فجعل الباري سبحانه مواطيء أقدامها محلاً للعبادة .
ورمي الجمار تجسيد لرمي الشيطان ، فبما أن الشيطان لا يقع في أُفق الحسّ حتى نرجمه ، فنجسد وجوده في نقاط خاصة تمثّل فيها لإبراهيم عليه السلام ، فنرجمها ظاهراً ، ولكن الهدف رمي الشيطان باطناً وإبعاده عن حريم النفس والروح .
واستلام الحجر الأسود ، تعاهدٌ مع
إبراهيم عليه السلام في السعي على خطاه لإقامة التوحيد وهدم أركان الوثنية . فبما أن إبراهيم قد لبّى دعوة ربّهُ ،