فالعمل في كلتا الصورتين غير خارق لأحكام العقل ، إلّا أنّه موافق للعادة في الأولى دون الثانية .
وقس على ما ذكرنا كثيراً من الأمثلة يتميز فيها خارق العادة عن خارق العقل .
هذا هو القيد الثاني لتحديد حقيقة الإعجاز ، ويهدف إلى أنّ خَرْق العادة لا يسمى إعجازاً إلّا بالإتيان به لأجل إثبات دعوى السفارة والنبوة ، فإذا تجرّد عنها يسمى كرامة .
وقد نقل سبحانه في الذكر الحكيم كرامة لمريم عليها السلام ، في قوله عزّ من قائل : ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ، قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا ، قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ ، إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (١) .
وهذا الأمر ( حضور الرزق بلا سعي طبيعي ) لم يكن مقترناً بدعوى المقام والمنصب الرسالي ، فلا يوصف بالإعجاز بل بالكرامة . وهكذا الحال فيما يقوم به الأولياء والصلحاء من عظام الأمور الخارقة للعادة ، فإنّها توصف بالكرامة .
هذا هو القيد الثالث في تحديد حقيقة الإعجاز ، وهو ينحلّ إلى أمرين :
الأول ـ دعوة الناس إلى المقابلة والمعارضة ، وطلب القيام بمثله .
الثاني ـ عجز الناس كلهم عن الإتيان بمثله .
وإلى كلا الأمرين أشير في التعريف بلفظ « التحدي » . ويترتب على هذا أنّ
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ٣٧ .