الجهة الثانية
هل الإعجاز يخالف أصل العليّة ؟
إنّ بديهة العقل تحكم بأنّ كلّ ظاهرة إمكانية ، تحتاج في تحقُّقِها إلى علّة ، وهذا أمر لم يختلف فيه إثنان ، وعليه أساسُ التجربة والبحث العلمي ، فإنّ العلماء ـ في المختبرات وغيرها ـ يبحثون عن علل تكوّن الظواهر ، وموجداتها ، فشأنهم كشفُ الروابط بين العلل المادية ومعاليلها ، هذا من جانب .
ومن جانب آخر ، إنّ الكتب السماوية ، والسِيَر التاريخية ، تَنْسِبُ إلى الأنبياء ، أموراً لا تتفق بظاهرها مع هذا الأصل ، فتنسب إلى موسى عليه السلام : أنّه ألقى عصاه الخشبية الصمّاء ، فانقلب حيّةً تسعى . وأنّ المسيح عليه السلام كان يمسح بيده على المرضى فيبرؤن . وأنّ الحصى سبّحت في كفّ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ، وغير ذلك من المعاجز . والإعتقاد بهذه لا يجتمع مع قبول الأصل العقلي المذكور ، لأنّ الثعبان يتولد من البيضة بعد مرورها بمراحل عديدة من الإنفعالات الداخلية . وإزالة المرض وعود الصحة ، رهن استعمال الأدوية وإجراء العمليات الجراحية ، والتسبيح نوع تكلم يحتاج إلى حنجرة وفم ولهوات ، يقوم به العاقل . وهكذا .
وعلى الجملة ، فظهور المعاجز على مسرح الوجود ، مع عدم علل مادية تُظْهِرُها ، يُعَدُّ خرقاً لقانون العلية ، وقول بتحقق المعلول بلا علّة .