الجهة الثالثة
ما هي العلةُ المحدثةُ للمعجزة ؟
قد وقفت في الجهة السابقة على أنّ القولَ بالمعاجز لا يضعضع أصل العِلّية ، وأنّ عدم العلّة العادية في موردها لا يدلّ على تحقق المعاجز بلا علّة أصلاً ، بل لها علّة غير معروفة بين العلل التي يشاهدها الإنسان . والكلام في هذه الجهة يقع في تعيين تلك العلة ، وفيها أقوال واحتمالات :
ربما يحتمل أن تكون العلّة هي الله سبحانه ، وأنّه يقوم بإيجاد المعاجز والكرامات مباشرة من دون توسط علل وأسباب . فكما هو أوجد المادة الأولى وأجرى فيها عللاً وأنظمة ، قام في فترات خاصة بخلقِ الثعبان من العصا الخشبية ، وتفجير الماء من الصخور الصَّمَّاء . . . وغير ذلك من خوارق الطبيعة والعادة .
ولكن هذا ـ وإن كان أمراً ممكناً ، لعموم قدرته تعالى على كل شيء ممكنٍ بذاته ـ إلّا أنّه على خلاف ما عرفناه من الربّ تعالى من سنته التي أجراها في الكون ، وهي أن يكون لكل شيءٍ سبباً وعلّة . ومن البعيد أن يخالف تعالى سنته في مجال المعاجز (١) .
__________________
(١) هذا ، على أنّ انتساب الحوادث المتجددة المتقضية بلا واسطة علل وأسباب ، إلى الله تعالى المُنَزَّه عن =