وذهب إلى هذا جمع من الفلاسفة والمحققين ، وإدراك صحته يتوقف على معرفة القدرة العظيمة التي تمتلكها النفس البشرية ، فنقول :
إنّ الإنسان كلّما ازداد توجهاً إلى باطنه ، وانقطاعاً عن الظواهر المادية المحيطة به ، كلما تفجّرت مكامن قدرات نفسه وتأجّج أوار طاقاتها ، وبالعكس ، كلما ازداد انغماساً في دركات الملذات ، وإشباع الغرائز ، كلما خمدت طاقاتها وانطفأت قدراتها .
ويدلّنا على ذلك عياناً ، ما يقوم به المرتاضون (١) من خوارق الأفعال وعجائبها : فيرفعون الأجسام الثقيلة التي لا يتيسر رفعها إلّا بالرافعات الآلية ، بمجرد الإرادة . ويستلقون على المسامير الحادة ثم تكسر الصخور الموضوعة على صدورهم ، بالمطارق ، ويدفنون في الأرض أياماً ، ليقوموا بعدها أحياءً . وغير ذلك مما يراه السائح في بلاد الهند وغيرها ، وتواتر نقله في وسائل الإعلام كالجرائد والمجلات والإذاعات . وكل ذلك دليل قاطع على أنّ في باطن الإنسان قوى عجيبة لا تظهر إلّا تحت شرائط خاصة .
وبعبارة واضحة ، إنّ نفس الإنسان كما تسيطر على أعضاء البدن ، فتنقاد لإرادتها ، وتتحرك قياماً وجلوساً بمشيئتها ، فكذلك تسيطر ـ في ظل تلك الظروف الخاصة ـ على موجودات العالم الخارجي ، فتقودها بإرادتها ، وتخضعها لمشيئتها ، وتَقْدِرُ ، بمجرد الإرادة ، على إبطال مفعول العلل المادية في مقام التأثير ، وغير ذلك من الأفعال .
وليس القيام بعجائب الأمور من خصائص المرتاضين ، بل إنّ هناك أُناساً مثاليين ، أفنوا أعمارهم في سبل العبادة ومعرفة الربّ ، بلغوا إلى حدّ قدروا معه على خرق العادة والمجاري الطبيعية .
__________________
(١) والرياضة هي التوجّه إلى الباطن والإنقطاع عن الظاهر .